كان المساء الرمادي ينسج خيوطه ،و يحتل أزقة هذه المدينة.. والرجل تائه في غيابه الطويل عن البلدة..
تهادى إلى المقهى المجاور فجلس يستعيد ذكريات الحي و الاهل و الاحباب..اشتاق للعودة ..ولكن..
أخرج من محفظته قلما و ورقة بيضاء ثم خط الرسالة التالية:
الى التي حملتني قبل و بعد الولادة،فعانت الامرين..
الى التي كابدت الليالي من اجلي،فبكت تحت جنح الظلام يتمها و جور الاقارب..
الى التي عرفت كيف تخرج من عذابات الدهر و الليالي الحالكات..الى امي الحبيبة
كم انا مشتاق اليك قي هذه اللحظات..و انا جالس في هذا المكان،تذكرتك و الماضي الذي عشناه..
تذكرت صورتك و انت خارجة للبحث عن الماء او الحطب في اعماق تلك الغابات..فتحملت من اجلنا القهر و الحرمان..
امي-الرحمة الاتية مع النسيم-قد لا انسى هجرتك و المرحوم ابي الى ادغال الغابة بحثا عن لقمة عيش ،فكانت الامكنة..
شعاب للفقر و الكدح و..و عودة الى أحضان جدي العظيم..العزيزة امي..منك تعلمنا الحياة ..
انت مدرستنا الاولى ياأم اخواني و أخواتي الاعزاء..فتحت جناحيك تشبعنا با..
و بين احضانك ترعرعنا و ادركنا الشمس و القمر و الحروف الاولى للكلام..
بل رسمت لنا زمن النطق و زمن الصمت،و على ذلك الدرب سرنا..و ماذا اقول في هذه اللحظة و الشوق مشتعل..
ماذا اقول تحت اضواء هذه الذكريات الموغلة في الماضي السحيق..ماذا بامكاني فعله في زمن البعد
و الاشتياق-غير الدعاء لك بالصحة و الشفاء-ياشجرة ولدتني ذات مرة..أنت شعاع الامل ..انت سراج طريقي..
بل انت مفتاح جنتي ان شاء الله..لقد كان لغيابك وقع كبير على نفسي ..فجلست بهذا المكان ارقب ،و سافرت على
جناح الذكريات،فكنت الصفحة الاولى التي قرأت فاغرورقت عيناي بالدموع ..فصرت طفلا يبحث عن أمه في كل الدروب
،علني اجدك و لكن ..امي و قلبي سيان..فكان ان فكرت في الكتابة اليك لاخفف عني هول الاشتياق..السلام عليك يا حبيبة
عاشت يتم الصغر و صارت جبلا شامخا في الكبر...
ابنك البار:الغائب
خرج من المقهى واتجه صوب صندوق الرسائل اودعه الرسالة و مضى..وعلى خديه شيء كالدموع..وفي قلبه بعد و صورة لامه.