بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول حجة الاسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه عن الموت :
الحمد لله الذي قسم بالموت رقاب الجبابرة ، وكسر به ظهور الأكاسرة ، وقصر به آمال القياسرة ، الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة ، حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم في الحافرة ، فنقلوا من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في التراب ، ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة ، ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل ، فانظر هل وجدوا من الموت حصنا وعزا ، واتخذوا من دونه حجابا وحرزا ، وانظر هل نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزا ؟ فسبحان من انفرد بالقهر والاستيلاء ، واستأثر باستحقاق البقاء ، وأذل أصناف الخلق بما كتب عليهم من الفناء ، ثم جعل الموت مخلصا للأشقياء ، وموعدا في حقهم للقاء ، وجعل القبر سجنا للأثقياء وحبسا ضيقا عليهم إلى يوم الفصل والقضاء ، فله الانعام بالنعم الظافرة ، وله الانتقام بالنقم القاهرة ، وله الشكر في السماوات والأرض وله الحمد في الأولى والآخرة ، والصلاة على محمد ذي المعجزات الظاهرة ، والآيات الباهرة ، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
فجدير بمن الموت مصرعه ، والتراب مضجعه ، والدود أنيسه ، ومنكر ونكير جليسه ، والقبر مقبره ، وبطن الأرض مستقره ، والقيامة موعده ، والجنة والنور مورده ، ألا يكون له فكر إلا في الموت ، ولا ذكر إلا له ، ولا إستعداد إلا لأجله ، ولا تدبر إلا فيه ، ولا تطلع إلا إليه ، ولا تعريج إلا عليه ، ولا اهتمام إلا به ، ولا عول إلا حوله ، ولا انتظار وتربص إلا له ، وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى ، ويراها في أصحاب القبور ، فإن كل ماهو آت قريب ، والبعيد ما ليس بآت ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( الكيس من دان مفسه وعمل لما بعد الموت ، ولن يتيسر الاستعداد للشيء إلا عند تجدد ذكره على القلب ، ولا يتجدد ذكره إلا عند التذكر بالاصغاء إلى المذكرات له ، والنظر في المنبهات عليه )
.