العلوم و الافادة في منتدى بوبكر س
مرحبا بكم في منتدى العلم و المعرفة الذي هو منبع استفادة ونرجو التسجيل لتمنح لكم صلاحيات في هذا المنتدى للتعامل معكم.
نرجو التسجيل وسلام عليكم
العلوم و الافادة في منتدى بوبكر س
مرحبا بكم في منتدى العلم و المعرفة الذي هو منبع استفادة ونرجو التسجيل لتمنح لكم صلاحيات في هذا المنتدى للتعامل معكم.
نرجو التسجيل وسلام عليكم
العلوم و الافادة في منتدى بوبكر س
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

العلوم و الافادة في منتدى بوبكر س

منتدى لكل الجزائريين و العرب ساهمو في تطوير المنتدى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول













 

 ܓܨ|▒| [ ♥ معــ،ــ،ـــركــ،ـــة بــ،ــ،ـــــدر ♥ ] |▒|ܓ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
متميز
مساعد المدير
مساعد المدير



عدد المساهمات : 957
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 30
الموقع : www.saksakil20@gmail.com

ܓܨ|▒| [ ♥ معــ،ــ،ـــركــ،ـــة بــ،ــ،ـــــدر ♥ ] |▒|ܓ Empty
مُساهمةموضوع: ܓܨ|▒| [ ♥ معــ،ــ،ـــركــ،ـــة بــ،ــ،ـــــدر ♥ ] |▒|ܓ   ܓܨ|▒| [ ♥ معــ،ــ،ـــركــ،ـــة بــ،ــ،ـــــدر ♥ ] |▒|ܓ Emptyالثلاثاء مارس 09, 2010 10:36 am

اخواني اخواتي
رواد منتدى الحديث والسيرة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
اقدم لكم هذا الموضوع



بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين

و الصلاه والسلام على اشرف المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم و آل بيته و أصحابه أجمعين


╝◄ من آثار معركة بدر ►╚
ܓܨأحمد محمود الأحمدܓܨ



لقد كانت معركة بدر معركة (فاصلة) حقا، لأنها غيرت مجرى الأحداث بعدها أيما تغيير ، وتركت آثارها البعيدة بل الحاسمة في قريش وفي المدينة، وفي قبائل العرب ولاسيما المحيطة بها، وناهيك بآثارها في مستقبل العالم كله.

أولاً: آثار بدر في قريش.

لقد كانت الآثار التي تركتها بدر في قريش متعددة النواحي، ومن أبرزها ما يلي:-

أ: الناحية النفسية:

1- كانت معركة بدر ضربة موجعة مفاجئة لقريش، هزتها من الناحية النفسية هزا عنيفا وأشعرتها أن المسلمين أصبحوا قوة غالبة وأنهم مؤيدون بقوة أخرى لا يستطيعون حيالها شيئاً، وجعل بعضهم يعتذر بهذه القوة عن هزيمتهم، يقول أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب، وقد سأله أبو لهب عما حصل في بدر: "والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض، الله ما تليق شيئاً ولا يقوم لها شيء" [1]ولا شك أن مثل هذا الكلام ، وما ينطوي عليه من اعتراف بتأييد المسلمين بقوة غير عادية - وهي الملائكة - ليدلان على مبلغ اهتزاز نفسية قريش نتيجة معركة بدر العظيمة.

2- لقد أذهلت نتائج بدر رجالات قريش، حتى الذين لم يحضروا المعركة وأذلتهم يدل على ذلك أنه لما قدم الحيسمان بن عبد الله الخزاعي مكة بهذه النتائج، وجعل يعدد أشراف قريش الذين قتلوا، ذهل القوم، وشكوا في صدقه بل في عقله [2] فقال صفوان بن أمية ابن خلف: والله إن يعقل هذا فسلوه عني، فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية؟ قال: هو ذاك جالساً في الحجر، والله لقد رأيت أباه وأخاه حين قتلا.

وفي مقابل هذا الذهول الذي منّي به رجالات قريش جعل المسلمون المستضعفون في مكة يعزون، وجعلت معنوياتهم ترتفع بما أفاء الله سبحانه على الدعوة وأهلها من النصر والتأييد، حتى سمت بهم مشاعرهم إلى الوقوف في وجه جبابرة قريش، ومواثبتهم، وما كانوا ليجرأوا على هذا من قبل بدر، ومما يدل على ما ذكرناه من ذلة رجالات قريش وعزة المؤمنين المستضعفين بسبب معركة بدر، ما يرويه أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان غلاماً للعباس بن عبد المطلب، وأنه كان رجلاً ضعيفاً ينحت الأقداح في حجرة زمزم، ولما أخبر أبو سفيان الحارث أبا لهب أنهم لقوا في المعركة رجالاً بيضاً على خيل بلق كما أوردنا في الفقرة السابقة قال أبو رافع: تلك والله الملائكة، فصفعه أبو لهب صفعة شديدة ، فما كان من أبي رافع إلا أن هجم على أبي لهب وثاوره، وانتهى الأمر بأن نهضت أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب لتدافع عن أبي رافع، فأخذت عموداً من عمد الحجرة، وشجت به رأس أبي لهب شجة منكرة، فقام موليا، ولم يعش بعدها إلا سبع ليال، فرماه الله بالعدسة، ومات ذليلاً مغموراً [3].

ولولا ما ألحقت غزوة بدر من ذل وهوان برجالات قريش، لما كان من الممكن أن يجرؤ أبو رافع رضي الله عنه على أبي لهب وهو سيد من سادات الوادي.

3- إن نتائج غزوة بدر أحزنت قريشاً، وعذبتهم عذاباً معنوياً أليما، وذلك أنه لما تحقق أهل مكة من نتائج بدر ناحوا على قتلاهم ، وقطعت النساء شعورهن ، وعقرت خيول كثيرة ورواحل [4] وكان يؤتى براحلة الرجل منهم أو بفرسه فيجتمع الناس حولها ويأخذون في البكاء [5] ثم تناهوا عن البكاء كيلا يسمع ببكائهم المسلمون فيشمتوا بهم، كما تناهوا عن السعي في فداء أسراهم كيلا يأرب المسلمون في فدائهم هم … فكان إمساكهم عن البكاء، وبقاء أسراهم في أيدي المسلمين مما زاد في عذابهم المعنوي حتى كادت أكبادهم تنصدع، لأن البكاء على الميت مما يبل فؤاد الحزين، وكذلك عودة الأسرى مما يخفف المصاب.

والخلاصة أن غزوة بدر قد هزت قريشاً هزة نفسية عنيفة، وأذهلتها أيما ذهول، وآلمتها إيلاماً معنويا بليغاً، وفي مقابل ذلك جعلت المسلمين يحيون في آفاق نفوسهم بالعزة وارتفاع المعنويات، وزيادة الثقة بالنصر الذي هو آت.

ب: الناحية الاقتصادية:

من المعلوم أن حياة قريش تقوم - في معظمها - على التجارة، ولتجارتها رحلتان أساسيتان، رحلة الصيف إلى الشام، ورحلة الشتاء إلى اليمن، وإن كلتا الرحلتين تكمل الأخرى، فليس لأحدها - وحدها - كبير جدوى على قريش لأن البضاعة التي يؤتى بها من الشام تحمل إلى اليمن، والعكس بالعكس…

وجاءت غزوة بدر، وما سبقها من معاهدات عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع القبائل التي تمر تجارة قريش في أراضيها، لتسد الطريق في وجه هذه التجارة مما أوقع قريشاً في حرج شديد، وجعلها على عتبة أزمة اقتصادية خانقة، يدل على ذلك تصريح صفوان بن أمية أحد رجالات قريش وأغنيائها، إذ وقف يوماً يحدد معالم الأزمة الاقتصادية التي أمست قريش على عتبتها ويقول: "إن محمداً وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه؟! لا يبرحون الساحل، وأهل الساحل قد وادعهم، ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك؟! وإن أقمنا نأكل رؤوس أموالنا، ونحن في دارنا هذه مالنا فيها بقاء، وإنما نزلناها على التجارة إلى الشام في الصيف وإلى الحبشة في الشتاء" [6].

وهنا يتقدم رفعة بن الأسود [7]ليدل صفوان بن أمية على رجل يسلك به طريق العراق إلى الشام على أن هذا الطريق أطول من الطريق الأول، وأشق مسلكا، ولكن لا بد منه، لأن الأول قد سيطر عليه الصحابة، وأضحى سلوكه غير مأمون على تجارة قريش…

وكان هذا الرجل فرات بن حيان من بني بكر بن وائل، فاستأجرته قريش، وجهزته عيراً عظيمة ، خرج معها - فيمن خرج - أبو سفيان بن حرب… وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروج هذه العير، فبعث زيد بن حارثة في مائة راكب ليعترضها [8]

فأدركها على ماء في نجد يدعى (القردة) قريب من الربذة، ففر الرجال الذين كانوا يحرسون العير واستاقها زيد رضي الله عنه وأسر دليلها فرات بن حيان، وكان أسره من حسن حظه، لأنه أسلم وحسن إسلامه.

ثم خمس الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العير، فبلغ خمسها خمسة وعشرين ألفاً.

وكانت غزوة القردة هذه بعد بدر بستة أشهر [9].

وهكذا نجح المسلمون في ضرب حصار اقتصادي على قريش، مما سيكون له أثره في إضعافها كقوة كبيرة تقف بعناد وإصرار على رأس قوى الشرك العربية المناوئة للدعوة.

جـ: الناحية القيادية:

لقد أودت معركة بدر بعدد من كبار قادة قريش، وذوي الرأي فيها، كعتبة وشيبة ابني ربيعة، وأمية بن خلف، وأبي جهل بن هشام، وأبي البختري العاص بن هشام، ومما يدل على القيمة القيادية لهؤلاء القتلى في مجتمع قريش أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لسلمة بن سلامة: أي ابن أخي، أولئك الملأ (الأشراف والرؤساء)، وذلك حين قال سلمة للمسلمين الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروحاء يهنئونه بما فتح الله عليه: ما الذي تهنئوننا به؟ إن لقينا إلا عجائز صلعا، كالبدن المعلقة فنحرناها [10] .. وكذلك يدل على قيمتهم القيادية أيضاً قول الأسود بن المطلب يبكي قتلى بدر [11]:

ولولا يوم بدر لم يسودوا


ألا قد ساد بعدهم رجال

ولا شك أن مصاب قريش بملئها هؤلاء قد كان رزءاً عظيماً عليها، وقد أسهم في زج مجتمعها وأضعافه في حلبة الصراع وبين دعوة الحق.

د: الناحية العسكرية:

إن هزيمة قريش في بدر طامنت من كبريائها العسكرية، وخفضت من ثقتها بنفسها إزاء المسلمين، خصوصاً، وأن هذه الهزيمة قد نكبتها - كما ذكرنا آنفاً - بعدد كبير من ملئها، وقادتها وسادتها، وكلهم ذو مكانة في حياتها العسكرية.

وما زلت حالتها العسكرية بعد هذه النكبة بين مد وجزر ضمن اتجاه عام آخذ في الانحدار حتى بلغ حضيضه يوم جلا المشركون عن الخندق ـ وعادوا إلى بلادهم يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم" [12] .

وقد يعترض على هذا الرأي بغزوة أحد، وأقول في الجواب عن هذا الاعتراض: إن غزوة أحد ليست في حقيقتها - سوى مد أعقبه جزر ضمن الاتجاه العام المنحد المذكور، وهي بالنسبة إلى قريش إخفاق عسكري محقق [13] أو هي على أحسن تقدير نصر جزئي أطاحت به هزيمتان: أحدهما في بداية المعركة، والأخرى عقب حمراء الأسد، حين بلغهم مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، ففت ذلك في أعضادهم وكسرهم، وتمادوا في الانسحاب إلى مكة، وقد كانوا أرادوا الرجوع إلى المدينة لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين [14] ، وسيأتي تفصيل ذلك في حينه إن شاء الله.

محاولة :

لم تستسلم قريش لما حل بها نتيجة وقعة بدر، وليس من المتوقع أن تستسلم وهي راس القبائل العربية، وإمامتها في مناوءة (دعوة الحق)، ولا بُد لها من أن تحاول أعمالا تشفي بهذه الأعمال غيظها وتسترد بها شيئاً من قيمتها التي تزلزلت في نظر القبائل العربية.

ومن ثم نذر أبو سفيان - ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو النبي صلى الله عليه وسلم وينتقم لما أصابه في بدر ، ويسترد اعتباره في دنيا القبائل العربية. وقد استطاع أن يجهز جيشاً قوامه مائتا فارس، وتوجه به نحو المدينة، ونزل إلى جبل يقال له (نيب) يبعد عنها نحواً من بريد 22,176كم [15] ثم خرج من الليل واتصل بسلاّم بن مشْكل سيد من سادات بني النضير، وتدارسا الموقف العام إزاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتذاكرا فيما يجب عمله للقضاء على دعوة الحق، وفي آخر الليل رجع إلى جيشه، وبعث رجالاً إلى المدينة، فأتوا ناحية تسمى (العريض) فحرقوا نخلاً، وأصابوا رجلاً من الأنصار في حرث له هو وحليفه فقتلوهما، … وبعد ذلك انصرف أبو سفيان بمن معه راجعاً إلى مكة.

علم الرسول صلى الله عليه وسلم بهؤلاء ، فخرج في أثرهم، ولكنهم امعنوا في الغوار، حتى أنهم اضطروا إلى إلقاء أزوادهم تخففاً، والتماساً للنجاة… وطاردهم المسلمون إلى قرقرة الكدر فلم يظفروا هم، لمبالغتهم في الهرب، وكان أكثر ما اطرحوه من أزوادهم السويق، وقد أصاب المسلمون منه شيئاً كثيراً وسميت هذه الغزوة (غزوة السويق) لكثرة ما طرح الكفار منه وهم فارون أمام جيش النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد كانت هذه الغزوة لخمس خلون من ذي الحجة، أي بعد بدر بشهرين وأيام.

وأنت ترى أن أبا سفيان أخفق في تحقيق هدفه، فهو لم يستطع أن يقوم بأي عمل يعتبر شيئاً إزاء ما أصاب قومه في بدر، وجل ما هناك أن جيشه في غزاته هذه أغار إغارة اللصوص وفر فرار الجبناء فلم يشف غيظا، ولم يستعد اعتبارا، ولم يغسل عاراً، بل لعله قد جدده بغواره وأكده.

غزوة أحد :

إن غزوة السويق - كما عرفنا - لم تجد على قريش شيئاً، وأنى لها أن تجدي؟!

لذلك بقيت قريش تجتر أحقادها على المسلمين، وتتذكر كما أصابها في بدر، وقد أذكت هذه الأحقاد، والهبت هذه الذكريات أمور منها إخفاقها في غزوة السويق،
واستياق زيد بن حارثة عيرهم في غزوة القردة ، وقد سلفت الإشارة إليها، زد على ذلك تحريض كعب بن الأشرف المرابي اليهودي لهم وبكاؤه قتلاهم [16] ، وقد اجتمع في أنفسهم من هذه الأسباب ما حفزهم إلى غزو المدينة، فاستفرغوا وسعهم في حشد جيش قوامه ثلاثة آلاف، منهم ومن أحابيشهم، ومن أطاعهم من قبائل كنانة، وأهل تهامة [17] ثم قصدوا المدينة وكانت بينهم وبين المسلمين معركة أحد المشهورة، غير أن عاقبتها كانت بالنسبة لقريش - كما قلنا آنفاً - إخفاقاً عسكريا، أو كانت على أحسن تقدير نصراً جزئياً بين هزيمتين وسيأتي الكلام مستوفى - إن شاء الله - في هذه الغزوة في حينه.

وهكذا نرى أن آثار معركة بدر بقيت عالقة بكيان قريش دون أن تستطيع إزالتها، بالرغم من محاولتها الجادة وهيهات أن يستطيع الإنسان دفع شيء أنزله الله به ومن يهن الله فما له من مكرم.

ثانياً: آثار بدر في المدينة.

كان سكان المدينة المنورة لما جرت معركة بدر أربع طوائف هي: المسلمون، والمشركون والمنافقون، واليهود، واختلف وقع نتائج هذه المعركة الحاسمة باختلاف هذه الطوائف.

أ - المسلمون:

لقد فرح المسلمون بنتائج هذه المعركة فرحاً عظيماً، وازدادوا إيماناً بما هم عليه من الحق والهدى ويقيناً بأن الله سبحانه ناصر من يجاهد فيه مهما كثر العدد، وتكالبت الظروف، وارتفعت معنوياتهم ارتفاعاً ترك أثره في الأسلوب الذي يعالجون به علاقاتهم بالطوائف الأخرى التي تساكنهم المدينة، لقد كانوا قبل بدر يصبرون على ما يلاقون من أذى هذه الطوائف وتعرضها لهم ولدعوتهم بما لا ينبغي [18] أما بعدها فقد آن الأوان لإعمال مشرط الطبيب في إزالة العلل المستعصية، وبتر الأعضاء المريضة التي لا سبيل إلىشفائها من جسم ذلك المجتمع… ومن هنا رأيناهم يقومون بعدة عمليات بتر ، منها ما يلي:

1ـ بتر أبي عفك:

كان أبو عفك شيخاً من بني عمرو بن عوف، بلغ عشرين ومائة سنة، وكان يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول الشعر في إيذاء المسلمين، والصد عن سبيل الله… وقد صبر عليه المسلمون غير أنه لم يرعو، ولم ينجح فيه سياسة الصبر والرفق، وحين لم يبق في القوس منزع، وأضحى لا بُد من بتره نذر سالم بن عمير، وهو أحد البكائين، ليقتلنه أو ليموتن دونه…

وجعل سالم رحمه الله يطلب غرة أبي عفك، حتى كانت ليلة من ليالي الصيف الحارة، ونام أبو عفك بفناء داره، فأقبل سالم البطل فوضع السيف على كبده، ثم اعتمد عليه حتى نفذ إلى الفراش، وخش فيه وصاح عدو الله والإسلام، فثاب إليه ناس ممن هم على مثل رأيه، فأدخلوه منزله وقبروه، وهكذا بتر هذه العضو المزمنة علته لم يكن بد من بتره، وكان ذك في شوال على رأس عشرين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم [19] .

وعاش سلم بن عمير رضي الله عنه حتى في خلافة معاوية بن أبي سفيان رحمه الله، بعد أن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خيراً [20] .

2- بتر عصماء بنت مروان:

كانت عصماء هذه يهودية [21] ، وكانت تعيب الإسلام وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول الشعر وتحرض عليه، وقد نافقت بعد مقتل أبي عفك، ولما استمرت في إيذائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيبها الإسلام جاءها عمير بن عدي في جوف الليل، ودخل عليها بيتها وكان حولها نفر من ولدها يتام، وإلى جانبها رضيع، فجسها بيده - وكان أعمى - فلما تحقق منها نحى الرضيع، ووضع سيفه على صدرها، واعتمد عليه حتى أنفذه من ظهرها.

ثم صلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقال صلى الله عليه وسلم له: " أقتلت ابنة مروان؟ قال: نعم ، فهل علي في ذلك شيء؟ فقال: لا ينتطح فيها عنزان" [22] وأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد قتله عصماء ، فأقبل على الناس وقال: " من أحب أن ينظر إلى رجل كان في نصرة الله ورسوله فلينظر إلى عمير بن عدي" ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "انظروا إلى هذا الأعمى الذي يرى" فقال صلى الله عليه وسلم: " مه يا عمر فإنه بصير، وسماه البصير لما رأى من كمال إيمانه وقوة قلبه في الله [23] " .

ولما رجع عمير إلى قومه بعد قتل عصماء وجد بنيها وهم خمسة رجال في جماعة يدفنونها، فقال: أنا قتلتها، فكيدوني ثم لا تنظرون، فوالذي نفسي بيده، لو قلتم بأجمعكم ما قلت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم [24] .

وبعد إزالة هذه العقبة من طريق الدعوة وبتر هذا العضو الفاسد من المجتمع المدني، ظهر الإسلام في بني خطمة، واستعلن بإسلامه من كان يستخفي من مستضعفيهم، وأسلم يومئذ رجال لما رأوا عز الإسلام [25] …

وقد كانت هذه الخطوات التي خطاها المسلمون أمراً لا بد منه في وقته وبحسب الظروف التي كانت تواجه الدعوة.

ب - المشركون والمنافقون:

لقد أستاء مشركو المدينة ومنافقوها لما سمعوا زيد بن حارثة - وهو على القصواء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم - يبشر بالفتح، ويعدد أسماء قتلى قريش، وبعض أسراها، وجعلوا يقولون ما جاء زيد بن حارثة إلا فلاً، وقال رجل من المنافقين لأسامة بن زيد: قتل صاحبكم ومن معه، وقال آخر لأبي لبابة: قد تفرق أصحابكم تفرقاً لا يجتمعون فيه أبداً… قتل محمد وهذه ناقته نعرفها ، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فلا.

غير أن الموقف قد انجلى، إذ لم يمض طويل وقت حتى سبق الأسرى إلى المدينة وعليهم شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم [26] ولما صدم المشركون بالحقيقة الواقعة التي لا تدفع، استكانوا، وصانعوا المسلمين، ونافق كثير منهم ، فأظهروا الإسلام، وهؤلاء كانوا فريقين فريقاً بقوا على شركهم القديم، وفريقاً انحل بالكلية، فلم يبق على شركه ، ولم يعتنق الإسلام إلا ظاهراً، بل مضى في طريق الذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كما وصفهم الله تعالى بقوله: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [27] (سورة النساء - 143)

هذا هو الموقف الإجمالي للمشركين والمنافقين في المدينة بعد غزوة بدر فالمشركون - كما قلنا آنفاً - منهم من بقي على شركه، ومنهم من نافق، وهؤلاء كانوا طائفتين: طائفة انحلت تماماً، وأضحت مذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وطائفة أقامت على شركها في الباطن وإن تظاهرت بالإسلام.

أما المنافقون سواء من نافق قبل بدر أو بعدها فقد غاظهم انتصار المسلمين، وضاقوا به أيما ضيق، واستمروا - على ما كانوا عليه - يتآمرون على الدعوة في الخفاء، ويتعاونون مع إخوانهم، بل شياطينهم اليهود، ولم يكتفوا بذلك بل انحدروا إلى مستوى العمالة لقريش، والروم ، ونصارى العرب…

على أن من المشركين من أدركتهم عناية الله، فثابوا إلى رشدهم، ودانوا بالإسلام، كحويصة ابن مسعود أخي محيصة الذي قتل ابن سبينة [28] التاجر اليهودي، وبتره من جسم المجتمع المدني حين أهدر الرسول عليه الصلاة والسلام دماء يهود [29] عقب اغتيال عدو الله، كعب بن الأشرف كما سنرى، وقد كان إهدار دمائهم ضرباً من الإجراءات الرادعة ساق إيه تآمرهم المستمر الخطر على كيان الدعوة ودولتها.

جـ - اليهود:

لقد كان وقع نتائج غزوة بدر شديداً على نفوس اليهود المقيمين في المدينة شدة الصواعق، واستغربوها وريعوا لها ولما انتهت هذه النتائج إلى كعب بن الأشرف قال: أحق هذا؟ أترون أن محمداً قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان، يعني زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة [30] فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم، لبطن الأرض خير من ظهرها [31] .

ولما تحقق اليهود صحة ما سمعوا من أنباء معركة بدر خضعوا واستكانوا، وأظهر فريق منهم الإسلام رياء ونفاقاً [32] وأخلدوا في جملتهم إلى مثل الهدوء الذي يسبق العاصفة، وفي النفوس ما فيها من الحقد والحسد يغليان غليان القدور… غير أن هذا الهدوء لم يدم ، وما كان من المنتظر أن يدوم بل انكشف عن مؤامرات وتحركات وألوان من الاستعداد لضرب الدعوة ضربات قاضية.

فهذا عدو الله كعب بن الأشرف لما تحقق من صحة ما أذاعه زيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة لم يطق صبراً، بل شد الرحال إلى مكة، وجعل يحرض على الرسول صلى الله عليه وسلم، وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب الذين أصيبوا ببدر [33] ، ولما رجع إلى المدينة من رحلته الآثمة هذه جعل يمعن في الإساءة للمسلمين، والتطاول على كرامتهم وأعراضهم، فشبب بنسائهم وآذاهم إيذاء لا يحتمل، وعندئذ لم يكن بد من وضع حد نهائي لنشاطه الهدام المعادي، بل لم يكن بد لمصلحة الدعوة التي هي في الحقيقة مصلحة الإنسانية قاطبة من بتره، وإزالته من عالم الوجود، وهذا ما حصل فعلا في ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً من هجرته صلى الله عليه وسلم [34] وبعد قتل هذا الأثيم الذي أكثر من الصد عن سبيل الله ومن الوقوف في وجه الدعوة، أهدر عليه الصلاة والسلام دماء اليهود جميعا، وأذن في قتل من ظفر به منهم جزاء وفاقاً لكيدهم للإسلام ونقضهم الميثاق الذي عقده الرسول صلى الله عليه وسلم بين أهل المدينة قاطبة بعيد الهجرة وتآمرهم على الدعوة وأهلها [35] وعلى أثر إهدار دمائهم قتل محيصة ابن سبينة كما قلنا سابقاً.

إن كل ما ذكرناه آنفاً من بتر أبِي عفك، وعصماء بنت مروان، وكعب بن الأشرف، وإهدار دم من ظفر من اليهود، إنما كان تأديباً لهم على مستوى الأفراد، وكان هناك نوع آخر من التأديب، وهو التأديب على مستوى القبائل وذلك ما تحكيه لنا غزوة بني قينقاع…

كان بنو قينقاع أشجع يهود المدينة، وأشدهم بأساً، وكانوا صاغة وتجاراً [36] يقيمون داخل المدينة على مقربة من وادي بطحان.

ولما كانت غزوة بدر، أظهروا البغضاء والحسد، والتحدي للمسلمين، والجرأة على الله ورسوله والشقاق لهما يدل على ذلك أنهم لما جمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر في سوقهم وقال لهم: " يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم"، قالوا له: "يا محمد إنك ترى أنا قومك ! لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس". فأنزل الله تعالى فيهم قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ} [37] .

وإلى هنا نرى أن اليهود قد جاءوا بكثير من الأعمال التي من شانها أن تجعل تأديبهم أمراً ضروريا لا مناص منه، وتهيئ الجو للإيقاع بهم، وفي هذه الظروف المؤذنة بالانفجار جاءت حادثة المرأة المسلمة التي أساء إليها الصائغ اليهودي، وشرذمة من قومه، فكانت هذه الحادثة بمنزلة عود الثقاب الذي فجر الموقف…

وبعد هذه الحادثة أنزل الله تعالى قوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [38] فقصدهم النبي عليه الصلاة والسلام وحاصرهم خمسة عشر يوماً حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم فشفع فيهم عبد الله بن أبي بن سلول، وبإلحاح كبير شفعه فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقن دماءهم [39] وكان حكمه النهائي فيهم أن يجلوا عن المدينة ولهم النساء والذرية ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والسلام ولحقوا بأذرعات من أرض الشام، فما لبثوا فيها إلا يسيراً ثم هلكوا [40] .

وكانت هذه الغزوة في النصف من شوال سنة اثنتين من الهجرة.

هذه لمحة خاطفة عن آثار غزوة بدر في اليهود في المدينة، وقد كانت جزاء وفاقاً لخيانتهم العهود، وتآمرهم على الدعوة، ومحاولتهم - أبداً - الوقوف في سبيلها، ومشاقتهم الله ورسوله… على أن كل ما قد رأينا لم ينههم عن غيهم… وسيبقون على ما هم عليه من الطباع والأعمال حتى تحيق بهم سيئاتهم، ويجنوا على أنفسهم، فيخرج بنو النضير من المدينة بعد وقعة أحد، ويقضي على بني قريظة القضاء العادل الرادع بعد وقعة الأحزاب، بل حتى تنتهي وجودهم في الحجاز كله، وهذه قصة يهود عبر تاريخهم كله مع شعوب العالم كافة، استغلال هذه الشعوب،وتآمرهم عليها وجحودهم لمعروفها… وأخيراً تتنبه هذه الشعوب لخطرهم، فتنتفض في وجوههم، وتأخذهم بما جنت أيديهم…

ثالثاً: آثار بدر في القبائل العربية:

كانت القبائل العربية قبل بدر لا تعير المسلمين الاهتمام الذي يستحقونه، لقد كانت تنظر إليهم - بوجه عام - كأناس مستضعفين يهاجرون من بلادهم، ويلتمسون لهم ملجأ في يثرب، أما بعد بدر، وبعد أن أوقعوا بقريش، فقد أدركت أنهم صاروا قوة خطيرة، يجب ألا يتغاضى عنها ، بل يجب أن يقضى عليها.

وقد أذكى هذا الشعور لدى هذه القبائل ما اعتادته من احترام قريش، أهل الحرم، وسدنة البيت وصريح ولد إسماعيل عليه السلام، وكونها تجتمع وإياهم على نهج ديني واحد…

وهناك عامل آخر شارك في إذكاء هذا الشعور، وهو ما كانت تجنيه هذه القبائل أو بعضها من فوائد مادية من جراء مرور قوافل قريش التجارية في أراضيها، وهذه الفوائد كانت تأتي عن طريق نظام (الإيلاف) [41] وعن طريق اشتغال رجال منها لحساب قريش، حتى إن منهم من كانوا عيوناً وجواسيس لها، كمجدي بن عمرو الجهني الذي كان عيناً لأبي سفيان [42] وعن طرق أخرى أيضاً .

وبانتصار المسلمين في بدر أضحت هذه القبائل - فيما تراءى لها - مهددة بأخطار جسيمة اقتصادية، ودينية، وسياسية، ومن ثم جعلت تتحفز للقضاء على الدعوة وازدهارها، مما جر على المسلمين حرجاً غير قليل، غير أنهم ارتفعوا إلى مستوى الظروف المواجهة، وقاموا بعدد من الغزوات التلاحقية، يفاجئون بها القبائل قبل أن تتحرك نحوهم، حتى ردوها إلى الصواب كارهة أو طائعة…

ومن هذه الغزوات ما يلي:

(1) غزوة بني سليم.

وكانت هذه الغزوة بعد قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم من بدر بسبع ليال، وقد أراد بها النبي صلى الله عليه وسلم بني سليم، وسار حتى نزل ماء من مياههم يقال له الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا [43] ولما غادر الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة استعمل عليها سباع بن عرفطة الغفاري أو عبد الله بن أم مكتوم.

(2) غزوة ذي أمر.

وقد كانت هذه الغزوة بعد عودته صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق والتي جرت - كما علمنا سابقاً - لخمس خلون من ذي الحجة سنة اثنتين للهجرة.. وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بقية ذي الحجة أو قريباً منها، ثم غزا نجداً يريد غطفان، فأقام في نجد صفر كله أو قريباً منه ثم عاد إلى المدينة دون أن يلقى حرباً، واستعمل على المدينة مدة غيابه عنها عثمان بن عفان رضي الله عنه [44] .

(3) غزوة بحران.

يذهب ابن هشام إلى أن هذه الغزوة أريدت بها قريش، ويذهب ابن سعد إلى أن بني سليم هم الذين كانوا هدفها، فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعاً كبيراً منهم قد اجتمع في بحران من ناحية الفرع ، فقصدهم في ثلاثمائة من أصحابه ، ولما خرج من المدينة لم يبين الوجهة التي يريد ، حتى إذا كان دون بحران بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبرهم أن القوم افترقوا ، ولكن يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصدقه ، ولذا حبسه مع رجل من الصحابة ، وسار حتى أتى بحران فألفاهم قد تفرقوا ، فعاد ولم يلق كيداً.

ولما خرج صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم، وكان خروجه من المدينة عند ابن هشام في شهر ربيع الآخر ، أو في شهر ربيع الأول وأقام فيها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى [45] أما ابن سعد فيذهب إلى أنه خرج من المدينة لست خلون من جمادى الأولى ، وإلى أنه غاب في هذه الغزوة عشر ليال [46] وهكذا نرى أن ابن سعد، وابن سعد هشام يختلفان فيمن قصدوا بهذه الغزوة، وفي زمن خروجه صلى الله عليه وسلم إليها ، وفي مقدار غيبته وليس هذا بضائر مادام جوهر الغزوة متفقاً عليه، وهو مباغتة الحادقين والأعداء المتربصين قبل أن يتمكنوا من القيام بأي عمل عدائي ضد الدعوة وأهلها.

وهكذا نلاحظ أن المسلمين قد كانوا بالمرصاد لجميع القبائل التي همت بإيذائهم أو الوقوف في وجه الدعوة، فباغتوها، وحالوا بينها وبين ما تريد من الشر، وبرهنوا على أنهم - أبداً - في مستوى الظروف مهما اختلفت، ومهما تكالب عليهم الأعداء.

صدى بدر:

لقد تجاوز صدى بدر مداها الكافي، كما تجاوز مداها الزمني، لقد بلغ صداها أرض الحبشة، وغيرها من الدول المجاورة، وتغلغل فيما تلاها من القرون..

أخرج ابن كثير في البداية والنهاية [47] نقلا عن الحفاظ البيهقي أن النجاشي أرسل ذات يوم إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان - ثياب - جالس على التراب، فأشفقوا منه حين رأوه على تلك الحال، فلما أن رأى ما في وجوههم قال لهم: إني أبشركم بما يسركم ، أنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك عدوه. وأسر فلان وفلان، وقتل فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر، كثير الأراك، كأني أنظر إليه، كنت أرعى لسيدي رجل من بني ضمره إبله ، فقال له جعفر : ما بالك جالس (كذا) على التراب ليس تحتك بساط، وعليك هذه أخلاق قال إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى أن حقا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عندما يحدث لهم من نعمه، فلما أحدث الله لي نصر نبيه صلى الله عليه وسلم، أحدنت له هذا التواضع.

ولا شك أن الدول المجاورة الأخرى كالروم وفارس كان لها - أيضاً - عيون في بلاد العرب، ومنها الحجاز، تنقل إليها أخبارها، وليس ذلك بالمستغرب نظراً لما كان لهذه الدول من مصالح في جزيرة العرب…

يدل على ذلك أن ملك غسان سرعان ما علم بمقاطعة المسلمين لكعب بن مالك من جراء تخلفه عن غزوة تبوك، فأرسل رسالة مع نبطي من أهل الشام قدم بتجارة إلى المدينة، وفي هذه الرسالة قال له: "أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان، ولا مضيعة فالحق بنا نواسيك (كذا)، ولكنه رضي الله عنه، ألقى هذه الرسالة في تنور فأحرقها دون أن يعيرها اهتماما [48] .

ومما يلهم وجود عيون الروم وصنائعهم الغساسنة قول كعب نفسه في بدر [49] :

وأخبر شيء بالأمور عليهما


ألا هل أتى غسان في نأي دارها

معد معا جهالها وحليمها


بأن قد رمتنا عن قسيء عداوة

لمنخر سوء من لؤي عظيمها


ضربناهم حتى هوى في مكرنا

سواء علينا حلفهما وصميمها


فولوا ودسناهم ببيض صوارم



فهذه الأبيات تشعر أن الأصحاب رضي الله عنهم كانوا يتوقعون أن تصل أنباء بدر إلى ما وراء حدود الجزيرة، إلى الدول المجاورة ذات المصالح في أرض العرب، ولا شك أن الشعور الذي يستقبل به الناس فيما وراء الحدود هذه الأنباء يختلف عن شعور النجاشي ، لأن هذا موال وأولئك كفرة مناوئون … وعلى كل فإن أصداء بدر وآثارها ستبلغ في المستقبل داني البلاد وقاصيها.

أسباب النصر:

ترجع أسباب انتصار المسلمين في هذه المعركة التاريخية الفاصلة من حيث الجوهر إلى السنن التي تشير إليها الآيات الكريمة:

{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (سورة الحج -40).

{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (سورة محمد -4)

{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (سورة آل عمران -160).

{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (سورة الروم - 47).

وأما من حيث التفصيل فيرجع هذا النصر إلى أمور منها:

1 - شوق المسلمين إلى الشهادة في سبيل الله، وطلبهم الجنة ببذل الطارف والتليد في مرضاة الله البارئ عز وجل مما يورث روحا معنوية لا تبارى، وليس بخاف أثر الروح المعنوية في تحقيق النصر.

2 - شدة انضباط المسلمين، وتنفيذهم تعليمات قائدهم صلى الله عليه وسلم بكل رغبة وإخلاص.

3 - صدق القيادة ، وحكمتها، وكونها قيادة من خلال مشاركة الجنود في تحمل مختلف ألوان الأعباء، فلقد شاركت هذه القيادة النبوية جنودها في السير إلى الأعداء، وفي عمليات الاستطلاع وفي خوض المعركة ولقاء العدو لقاءاً مباشراً والقتال في أوجه، روي عن علي رضي الله عنه [50] "كنا إذا حمى البأس .. اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا".

4 - شدة اجتذاب القيادة بكفاياتها العظيمة لقلوب الجنود حتى قال قائلهم للرسول صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، أمض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت إلى برك الغماد لجالدنا معك دونه حتى تبلغه" [51] .

5 - لقد طلع النبي صلى الله عليه وسلم على الأعداء بأسلوب جديد في القتال. وهو أسلوب الصف، فكان له أثره في تحقيق النصر، والتاريخ الحربي يشهد بأن تطبيق القادة العظام أساليب جديدة غير معروفة في القتال كان له أثره في الانتصارات التي أحرزوها.

وهكذا نرى أن أسباب الانتصار العظيم الذي حققه المسلمون في بدر كانت تكمن في اتباع سنن الله التي علمنا إياها القرآن العظيم، وسننه هذه تقضي بأن النصر هو لمن اتقاه، وتوكل عليه، وتفوق في اتخاذ الأسباب الموضوعية الممكنة، ولا غرو فالله تعالى كما ورد في السنة يحب من أحدنا إذا عمل عملا أن يتقنه.

والخلاصة أن معركة بدر كانت تاريخية فاصلة حقاً، لا في تاريخ الإسلام وحده بل في تاريخ العالم الذي تأثر جد التأثر بظهور الإسلام وانتصاره، وما انبثق منه من حضارة باذخة أثرت، وما تزال تؤثر في حياة الإنسان…

إن هذه المعركة كانت كبيرة الآثار في قريش، وفي جماعة المسلمين، وفي الطوائف التي كانت في المدينة وفي قبائل الجزيرة العربية، وقد تمكنت الدعوة أيما تمكين، ولكنها في الوقت نفسه أثارت في وجهها صعابا جسيمة، وأورثتها مسؤوليات كبيرة، غير أن الدعوة نهضت بواجبها خير نهوض في وجه هذه الصعاب والمسؤوليات... وخرجت من حومة الصراع ظافرة غالية …

وقد علمتنا هذه المعركة أن الله سبحانه يؤتي المسلمين نصره، حين يحققون الإسلام في أنفسهم عقيدة وسلوكا، دون أن يتشاغلوا عنه بما ليس منه، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

والحمد لله رب العالمين

[1] ابن هشام ، جـ1 ، ص 339 .

[2] ابن هشام المرجع السابق ، ص 338 ، وابن كثير البداية والنهاية ، جـ3 ، ص 308 ، والواقدي مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ص 89 ، القاهرة 1367 ـ 1948 م .

[3] ابن هشام ، المرجع السابق ، ص 340 ، ابن جرير الطبري ، تاريخ الأمم والملوك جـ2 ص 160 ، وابن كثير المرجع السابق ص 310.

[4] ابن كثير المرجع السابق ، ص 308 ، 309.

[5] الواقدي ، المرجع السابق ص 91.

[6] الواقدي المرجع السابق ص 155 .

[7] الطبري ، تاريخ الأمم والملوك ، جـ1 ، ص 182 .

[8] ابن سيد الناس عيون الأثر جـ1 ، ص 305 .

[9] ابن كثير المرجع السابق ، جـ4 ، ص 4 .

[10] ابن هشام المرجع السابق ، ص 334 .

[11] ابن هشام ، المرجع السابق ، ص 341 .

[12] متن البخاري بحاشية السندي ، جـ3 ، ص 33 ، ط عيسى البناني الحلبي .

[13] اللواء ، محمود شيت خطاب ـ مجلة التمدن الإسلامي العدد 6 ، المجلد 41 ، ص : 522 ، 94 / 74 م .

[14] ابن عبد البر ، الدرر في اختصار المغازي والسير ، ص 67.

[15] ابن عبد البر ، الدرر في اختصار المغازي والسير ، ص 148 وحاشية المحقق في الصفحة ذاتها .

[16] ابن هشام ، جـ2 ، ص 502 ، وابن عبد البر المرجع السابق ص 150 وابن كثير المرجع السابق ص 6 وابن سيد الناس المرجع السابق جـ1 ص 298 .

[17] ابن هشام ، جـ3 ، ص 4 ، وابن عبد البر ، المرجع السابق ص 153 ، وابن كثير المرجع السابق جـ4 ، ص 10.

[18] كان هذا الأذى يختلف عن أذى كفار قريش في مكة نوعاً وكما .

[19] الزرقاني على المواهب ، جـ1 ص 456 .

[20] ابن سيد الناس ، المصدر السابق جـ1 ص 300 .

[21] الزرقاني على المواهب ج1 ، ص 453 .

[22] ابن سيد الناس ، المرجع السابق ، ص 293 ، وابن هشام ، السيرة جـ2 ، ص 637 .

[23] الزرقاني على المواهب جـ1 ، ص 454 .

[24] الزرقاني على المواهب المكان نفسه ، وابن هشام ، السيرة جـ2 ، ص 638 .

[25] ابن كثير المرجع السابق ص 354 ـ 305 .

[26] ابن كثير المرجع السابق ص 354 ـ 305 .

[27] ابن كثير المرجع السابق ص 304 .

[28] ويقال ابن سنينة .

[29] ابن هشام جـ2 ، ص510 ـ 512 .

[30] هما البشيران اللذان قدمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبشرا المسلمين بما فتح الله عليه في بدر .

[31] ابن هشام المرجع السابق ، ص 502 ، وابن كثير ، المرجع السابق ، ج4 ص 6 ، وابن خلدون ، كتاب العبر ديوان المبتدأ والخبر .. جـ2 ص 200 ، ط فاس : 1355هـ .

[32] ابن كثير المرجع السابق ، ج3 ص 347 .

[33] ابن هشام ، المرجع السابق ص 502 ، الواقدي المرجع السابق ، ص 145 .

[34] الواقدي المرجع السابق ، ص 144 ، الطبري ، تاريخ الأمم والملوك ، جـ2 ، ص 177 ، وانظر صحيح البخاري بحاشية السندي جـ3 ص 17 ،وابن هشام المرجع السابق ، ص 502ـ510.

[35] ابن القيم ، زاد المعاد ، ج2 ص 91 ( بيروت 1392 ـ 1973 م )

[36] ابن القيم المكان نفسه .

[37] سورة آل عمران ـ 12 ، 13 .

[38] سورة الأنفال ـ 58 ( انظر الواقدي ، المرجع السابق ، ص 141 .

[39] ابن عبد البر ، المرجع السابق ص 149 .

[40] الواقدي المرجع السابق.

[41] كانت قريش بمقتضى هذا النظام تتجر لبعض القبائل بسلعها دون عمولة ، على أن تتولى هذه القبائل حراسة تجارتها حين تمر في أراضيها.

[42] ابن عبد البر ، الدرر في اختصار المغازي والسير ، ص 112 .

[43] ابن القيم زاد المعاد ج2 ص 90 ، وابن هشام ج2 ص 492 ،وابن سيد الناس ، المرجع السابق .

[44] ابن هشام ، جـ2 ، ص 496 ، وابن القيم ، المرجع ص 91 .

[45] ابن هشام جـ2 ، ص 496 .

[46] الزرقاني على المواهب ، جـ ، ص 1 6 .

[47] ـ جـ3 ص : 307 ـ 308 .

[48] ابن كثير ، البداية والنهاية ، جـ5 ، ص 25 .

[49] ابن كثير ، البداية والنهاية ، جـ3 ص 335 .

[50] ابن كثير ، البداية والنهاية جـ5 ، ص 279 .

[51] ابن كثير ، البداية والنهاية جـ3 ، ص 262 .






المصدر ܓܨ http://www.iu.edu.sa/Magazine/29/5.htm ܓܨ

من آثار معركة بدر
بقلم الأستاذ: أحمد محمود الأحمد
المدرس في كلية الدعوة وشعبة اللغة بالجامعة الإسلامية

[اسم الصورة : تاريخ الاضافة : 2005-04-21 المشاهدات :383]
.•.°.••i|[♥️ اللهم أغفر لي و لوالدي و أصحاب الحقوق و على المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات ♥️]|i•.•.°.•

ارجوا ان اكون عند حسن ضنكم
تقبلوا تحياتي
.•:*ღ*:•
اخوكم ܓܨ أسلالـ ܓܨ
خــــــــ منتدى الحديث والسيرة ــــــادم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bakar30.yoo7.com
 
ܓܨ|▒| [ ♥ معــ،ــ،ـــركــ،ـــة بــ،ــ،ـــــدر ♥ ] |▒|ܓ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
العلوم و الافادة في منتدى بوبكر س :: المنتدى الإسلامي العام :: احاديث اسلامية عامة-
انتقل الى: